ضوء في نهاية النفق

طلال أبوغزاله.. يخالف البنك الدولي في أمور رغم علاقات العمل معه.. ويؤكد عنصر الشباب حاسم في تقدم إقتصادات الدول وليس رأس المال..

 

على العرب إستشراف سلبيات وإيجابيات الحرب القائمة وإحتمال إتساعها.. والإستعداد لإستثمار النتائج.. وعدم إنتظارها..

لن أستسلم جراء تواطؤ قاض مع “المركزي اللبناني” وسوستيه جنرال وأدعو صغار المودعين إلى عدم الإستسلام..

محمد شريف الجيوسي

يمتاز طلال أبو غزاله منذ كان طفلاً أنه منسجم مع نفسه متصالحًا معها، لم يقعد يومًا يندب حظّه، بين ما كان عليه من دعة وسعة وبين ما صار عليه لاجئًا مهاجراً، لا يملك من حطام الدنيا شيئا، بل رأى وهو الطفل، أنه بات يتولى مسؤولية عظيمة تجاه نفسه وتجاه أسرته، مارس أكثر من عمل مضنٍ، وكان فخوراً بذلك معتزًا بنفسه لم تعتوره عقد العوز، فالعوز لا تتمثل بعازة المال، إنما بعوز الإرادة والثقة بالنفس والمواجهة، وعدم القدرة على إتخاذ أصعب القرارات.

أبوغزاله منذ وقت مبكر من حياته، مرورا بشبابه ورجولته، وفي شيخوخته الآن أكثر إنسجاما وثقة بنفسه وبالمستقبل وأعظم قدرة على العمل واتخاذ أصعب القرارات الصائبة في المكان والزمان المناسبين، مطوعاً الصعوبات وجعلها أينع ثمارًا.

وفي حواراته المتحققة في وعلى مختلف وسائل الإعلام، تراه منسجمًا وجريئًا ومستقبليا في طروحاته، رغم أن البعض لا يمتلكون غير الندب، ولا يتوفرون على شيء غيره.

ففي حوار المفكر العربي والعالمي أبوغزاله، على قناة (BBC) مساء 6 أيار 2022، أعاد الدكتور أبوغزاله التأكيد باقتضاب على جملة معانٍ، أولها نعمة المعاناة (وهو ما أشرت إليه للتو بطريقتي) رغم أن العديد من الناس يخشونها، فيما يرى أنه كلما كانت المشكلة أصعب؛ كلما كان النجاح والنصر والحصاد أجمل.. مستذكرًا البدايات وهو ما أشار إليه تكرارا برغبة التذكير به لكل من يحمل دماغاً بين كتفين (كانت البداية من صندوق سيارة ورصيف)، فالفكر والإرادة أشد فعالية من المال، لتأمين البداية؛ بل هما من يحققا المال وتطويعه.. وهي القاعدة التي لا تقتصر عليه فهناك أمثلة على ذلك في زماننا، من بينها: زوكربيرغ وامازون وبيل غيتس، الذين أصبحوا بحجم دول.

ولا يقتصر أبوغزاله على تجربته الحياتية المميزة وقصص نجاحاته التي يمكن إختصارها في (تحويل الأزمة إلى فرصة) وإنما أيضًا في رؤاه المستقبلية لمجمل الصراعات العالمية، ومن ذلك إمكانية أن تستفيد الدول العربية من الحرب الروسية الأوكرانية، داعياً لعدم إنتظار ما سيحدث لتقرير ما علينا أن نفعله، بل ينبغي إستشراف المستقبل والتخطيط لما ينبغي ممارسته لمواجهة ما  سيحدث.

وقدّم كمثال مجموعته، حيث لم تنتظر مجيء كورونا وفرض أجندتها، فتجهزت بأسلوب عمل لمواجهة ظروفٍ جامحةٍ يمكن أن تطرأ، وهكذا كان، وبذلك لم تتأثر المجموعة سلباُ بجائحة كورونا، مؤكداً أن قاعدة (عدم الإنتظار) هذه؛ تنطبق على الأفراد والشركات والحكام بل وعلى الدول أولاً.

وشدد بأنه يفترض عربياً إحتساب السلبيات والإيجابيات التي ستنجم عن الحرب  القائمة، والإعداد للإستفادة من كليهما مسبقاً، دون إنتظار إنتهائها، بل ويُفترض تأمين الإحتياجات الملحة قبل بدء الحرب (الأمن الغذائي والصحي والتقني)، منوهاً باحتمال توسعها وإمتدادها زمنياً.

وهنا يتوقف أبوغزاله بشجاعته المعهودة فيعرب أنه ليس مع مقولات البنك الدولي بعدم إنتاج مادة ما عندما تكون كلفة إنتاجها أعلى من إستيرادها.. بل ينبغي إنتاجها في حدود الحاجة إليها، لتحقيق الإكتفاء الذاتي من المواد الرئيسة، صوناً للقرار المستقل للدول، وللحيلولة دون إستخدام الحاجة إليها في ظروف طارئة أو جائحة، أوإختلاف سياسي؛ إلى إبتزاز وتحكم في إتخاذ القرار الوطني، والجميل أن يعلن أبوغزاله؛ ذلك صراحة، رغم أن مجموعته شريكة للبنك الدولي في دراساته على مستوى العالم وفي تقريره السنوي للبيئة الإستثمارية لمختلف لدول.

ومن نماذج إستشراف المستقبل لديه، أنْ هيأ لمجموعته ظروف صناعة الحواسيب، فافتتح مكتبًا في الصين قبل 35 سنة، وبذلك فإن مجموعته هي الوحيدة التي تمتلك 6 مكاتب هناك، على ما للصين من عظمة ومزايا، بل عقد شراكة مع الصين، وهي الشراكة الوحيدة في الدنيا بين حكومة الصين وشركة من القطاع الخاص، بناء لقرار من نائب الرئيس الصيني، وعليه عقدت المجموعة إتفاقاً مع شركة صينية لإقامة مشاريع مشتركة.

لم يقتصر طموح أبوغزاله عند إنتاج مجموعته للحواسيب في الصين، بل طمح  لتصنيعها عربياً، فعقد شراكة مع الهيئة العربية للتصنيع (في مصر) حيث أقيم مصنع لصناعتها هناك، منوهاً بأن ذلك ليس أمراً سهلاً ، حيث لا يقتصر على توفير رأس مال فحسب، بل هناك متطلبات أخرى تتصل بإنتاج التقنيات.. وتم إنتاج حواسيب؛ باتت موجودة في السوق المصرية.

ومرة أخرى لا يأخذ أبوغزاله برأي تقرير صدر عن الأمم المتحدة قبل 10 سنوات، يقول بأن مشكلة الأمة العربية هي أنها أمة شباب (وهو رأي الغرب بعامة)، رغم أنه كما البنك الدولي؛ على علاقة عمل معهم، يرى في الكثافة البشرية وغلبة عنصر الشباب، عوامل تقدم الدول، وأنْ ليس وفرة المال ما يضمن تقدمها، وهو ما يفسر تقدم الصين والهند إقتصادياً، معززا ذلك بأن إقتصاد مصر سيصبح السادس عالمياً؛ عام 2030 بفضل جملة مزايا، أهمها عنصر الشباب، وأن هذا التوقع هو نتاج ما خلصت إليه مراكز دراسات محترمة.

والملاحظ أنه رغم اختلاف وتباين آراء ومواقف أبوغزاله مع ما هو سائد حتى اللحظة من مفاهيم أنتجها الغرب غالباً، وأصبحت قواعد (لا تمس بسوء)!؟ إلا أن الغرب ومن يليه.. لا يمتلكوا مغادرته أو عدم إحترام مواقفه، فعندما قررت جامعة الدول العربية تشكيل مجلس استشاري يمثل كل الإتجاهات لإسداء المشورة السياسية، أختير أعضاؤه بناءً لترشيحات دول عربية، لكنه الوحيد الذي أختير من قبل المجلس وليس من قبل أية دولة عربية، منوهاً بأنه يجري الآن صياغة مهام المجلس، مشدداً أنه لن يكون هناك تغيير (إذا لم يكن ممكناً خلق بيئة مصالح بين الدول العربية والمواطنين العرب بغض النظر عن الخلافات).

وفي سياق تمايزات الدكتور طلال أبوغزاله؛ الفلسطيني القومي؛  والمفكر العربي، والإقتصادي العالمي، والسياسي الأممي، واللبناني فخرياً.. فإنه لا يساوِم.. في وجه حق (مؤكداً ذلك لدى قناة الشرق يوم 6 أيار 2022) حيث أقام دعوى قضائية على مصرف سوسيتيه جنرال لإسترداد  23 مليون دولار، مبيناً تواطؤا ثلاثياً، بين المصارف والبنك المركزي وأحد القضاة؛ الذي تفتق عن أمور إستثنائية غريبة بالتواطؤ مع المصارف.. متسائلاً أين باتت هذه الأموال، وكيف للمصرف المركزي الإستيلاء على شيكات بإسمه دون علمه، بقيمة 23 مليون دولار، كانت مودعة لدى مصرف سوستيه جنرال.

منوهاً بأنه أخذ حكما صحيحًا من قاض عادل بالحجز على أموال المصرف وأموال رئيس المصرف وأعضاء مجلسه ومدرائه، وعندما ذهب القاضي؛ تنكر قاضٍ جديد للإستئناف، متسائلاً كيف تريد أن تأخذ أموالك من المصرف، متذرعاً بأنه لا يملك سلطة أمر المصرف بالدفع وأن المصرف هو من يقرر ذلك، وبمواجهة هذا القرار، أكد أبوغزاله بأنه لن يتنازل عن حقوقه مع الفوائد؛ مهما إمتد الزمن، بل ودعا صغار المودعين بأن لا يستسلموا، وأخذ الخطوة الأولى بإزاحة هذا المحافظ ليس بطرده بل بإيقافه عن العمل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى