ضوء في نهاية النفق

قراءة في رؤية أبوغزاله لقمة جدة

عين الاردن

 

هل يمكن أن تتحقق آمال ومراهنات أبوغزاله على جامعة الدول العربية؟

مطالبة قوية برفع الحصار عن سورية والتوقف عن سرقة ثرواتها.. وترك الليبيين واليمنيين يحلوا مشكلاتهم بأنفسهم برعاية عربية

قمة جدة لم تلب المطالب الأمريكية والمشبوهة.. لكنها لم تحدث اختراقاً في مواقف واشنطن وغيرها.. بذريعة الحيلولة دون ملء الفراغ من قبل روسيا والصين وإيران..

إصرار واشنطن على البقاء في المنطقة العربية؛ مجحف وخطير

محمد شريف الجيوسي

كنت ومنذ قرابة 3 أعوام حتى الآن على تطابق شبه تام في كل ما طرحه المفكر العربي العالمي د. طلال أبوغزاله، وتناولت رؤاه في الفكر والسياسة والإقتصاد والرقمنة والعلم والتعلم والشأن العربي والدولي وفي المستقبليات والسلوكيات الخ  بالمناقشة والعرض والتحليل.. وأخال أنني وفقت في ذلك إلى حد بعيد.

لكنني أجدني الآن أختلف مع هذا الرجل الإستراتيجي؛ الاستثنائي في كل شيء أو يكاد، في مراهنته على جامعة الدول العربية التي عملت بريطانيا على ظهورها ليس عشقاً بالعرب والعروبة وإنما لتستبق أية طموحات عربية حقيقية في التحرر والوحدة والتنمية وممارسة دور حضاري حقيقي، مثلما عملت على إنشاء الوهابية في العشرينات والأخونة في الثلاثينات، وقبلهما بالتعاون مع فرنسا نسج مؤامرة سايكس بيكو وتنفيذها للحيلولة دون قيام دولة عربية مشرقية واحدة، وفي إعطاء وعد بلفور للصهيونية..

لقد راهن أبوغزاله على الجامعة العربية أكثر مما ينبغي، معرباً عن الأمل بأن تكون الممثل الحقيقي لكل قضايا الدول الأعضاء.. في حين صار المأمول منذ احتلال العراق سنة 2003، أن تكف عن ممارسة أدوار سلبية ضد الأمة.

لقد لعبت جامعة الدول العربية رغم بعض النصوص الإيجابية في مواثيقها التي لم تطبق كاتفاقية الدفاع العربي المشترك.. أدوراً غاية في السلبية والسوء، كمنح الحاكم البريطاني برايمر مشروعية ترتيب أوضاع العراق المحتل سنة 2003 وفق رؤية المحتل الأمريكي البريطاني، كما لعبت أدوارا مشينة ضد ليبيا وسورية واليمن وغيرها، وفي شرعنة الخريف الأمريكي في المنطقة العربية، بالتنسيق مع جهات الإرهاب الإقليمي العربي التركي التكفيري الصهيوني الغربي.

نتفق مع المفكر طلال أبوغزاله في بعض ما ورد في مقالته القيمة (دروس قمّة جدّة العربية الأمريكية) من أن القمة لم تحقق أغراضها المطلوبة أمريكيا، وعودة الرئيس الأمريكي خاسراً لأول مرة ربما في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، .. لكن هذه العودة الخاسرة، لم تكن بفضل دور وأهمية وحرص وجهود جامعة الدول العربية، وإنما لأنه بات واضحًا أن واشنطن هي الحصان الخاسر الذي لم يعد ممكنا المراهنة عليه كما لسابق، ولأن مصالح متزايدة آخذة بالتسارع مع روسيا والصين ومن معهما، وهما المستقبل القادم لا محالة على حساب ويلات أمريكا والغرب الذي سام الأمم والشعوب والدول الضعيفة عذابات على مدى عقود بل وقرون.

وما رددته الأطراف العربية في القمة، من مواقف تعتبر إيجابية نسبياً، تنفيه أغلب الممارسات العملية الرسمية على الأرض وفي الواقع.

ونحن على علم دقيق بأن المفكر ابوغزاله، ضد وعلى علم ودراية ومعرفة للواقع العربي المحزن، لكن عروبته الطاغية وآماله، دفعت بوصلته لهذه الخيارات عل وعسى.. تصبح الآمال حقيقة ويتم ترميم هذا الواقع، نحو الأفضل.

نتفق معه في غير جانب دعا إليه، وإن كنا لا نراهن على هذه الجامعة، في تحقيق أي منها، وفي الحقيقة فإن بعض أغراض القمة الرديئة لم تعلن إسرئيل عنها فحسب، وإنما أطراف عربية معنية وعلناً دون مواربة.

ولا شك بحسب أبوغزاله (أن إسرائيل تسعى منذ سنين إلى دفن القضية الفلسطينية من خلال إغراق المنطقة بمشاريع مختلفة، وبتصوير نفسها على أنها المنقذ، لا المتعدي، ومن المؤسف أن هذه الأفكار الصهيونية لقيت من يمهّد لها ويدعمها في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ويمارس الضغوط الابتزازية على بعض الدول العربية للقبول بها)، لكن الأمر حقيقة لم يقف عند هذا الحد، فبعض الدول العربية تعمل على ذلك، دون مواربة.

لقد أكد القادة العرب، أن قضيّة فلسطين هي القضية المركزيّة، وأن العجز الدولي عن حل هذه القضية على مدى العقود هو المسؤول عن ما تعاني منه المنطقة من عدم الاستقرار والعنف والتطرّف وفقدان الأمن وهدر المال والبلبلة السياسية وحتى التخلّف.. وأن (منطقتنا لن تشهد أمناً ولا سلاماً ولا استقراراً دون حل شامل وعادل للقضيّة الفلسطينية ودون حصول الشعب الفلسطيني على حقوقه الوطنية المشروعة) لكن أين موقع القول عن الفعل، وهو كلام يتكرر منذ قرابة 3 عقود، بل إن هذه الحلول لو طبقت (ولن تطبق) كم تشكل نسبتها من حقوق الشعب الفلسطيني حتى المشروعة منها.

ثم هل أحدثت هذه المواقف وإجماع قمة جدة، إختراقاً أو تغييراً مهماً على موقف امريكا ورئيسها بإتجاه القضايا العربية وفي المقدمة القضية الفلسطينية، بل إن الرئيس الأمريكي أكد بذريعة أن بلاده (لن تترك المجال للصين ولروسيا وإيران الفرصة بملء الفراغ) أنها لن تترك المنطقة العربية ولن تقلص نفوذها فيها، ما يعني أن واشنطن ستبقي على دعمها للكيان الصهيوني، والتدخل العدواني في الشأن العربي وبخاصة في العراق وسورية ولبنان واليمن وغيرها.

وهنا نتفق جملة وتفصيلاً مع المفكر أبوغزاله، بأن هذا موقف أمريكي خطير ومجحف.. متسائلًا أي أبوغزاله لماذا يكون في المنطقة أي فراغ؟ لماذا ينتظر الوطن العربي، من يملأ الفراغ فيه؟ مراهنا على الجامعة العربية التي تأسست منذ أكثر من 8 عقود وواكبت العمل العربي، (بأن تملأ الفراغ، والتمسك بزمام الأمور مجدداً وتحمل مسؤولياتها وأن تقدم للعالم أنموذجاً متجدداً لنهج عربي موحدّ وصوت عربي ثابت، يتبنى طموحات هذه الأمة وقضاياها ويدافع عن حقوقها ويعيد للقضيّة الفلسطينية أولويتها) لكن السؤال هل الجامعة مؤهلة وقادرة ومتوفرة على الإرادة التي تتيح لها منافسة أمريكا والغرب على ملء الفراغ؟

ودعا أبوغزاله، ونوافقه في ذلك كلية، (ونحن على أبواب قمة عربية قادمة لإعادة النظر، بكل سلبيات الماضي، والتشرذم، والاختلاف وبعثرة الجهود التي نعيش آثارها الخطيرة) لكنّا نرى أن الآمال ضئيلة جداً لتحقيق ذلك باتجاهات إيجابية.

ومضى أبوغزاله في آماله العروبية المشروعة المتقدمة، داعياً لأن ترفع العقوبات المفروضة على سورية بموجب قانون قيصر الجائر والأحادي، والذي تطال آثاره الشعب العربي، وتمتد لتحرم لبنان أيضا من غازه ونفطه بحكم جواره لسورية.

متسائلا، ما هو المبرر القانوني لفرض هذا الحصار على سورية وسرقة ثرواتها النفطية وادامة احتلال أجزاء هامة من أراضيها ودعم العصابات الإرهابية والانفصالية على حساب سيادتها وكرامة شعبها..

كما دعا لترك الشعب الليبي الحبيب الطيب، يعالج أموره بنفسه، ولا أقول خلافاته، لأنه لا خلاف فيه أكثر من (مجرد سوء تفاهم عائلي)، وذلك في ظل مبادرة عربية، وأضيف أنا بضرورة وضع حد للتدخلات التركية والجماعات الإرهابية المدعومة منها ومن الغرب.

ومتسائلا، أليس الأجدى بالجامعة العربية ان تقود خلاصة مشروع مصالحة يمنية يمنية. وإلى “حل سياسي يمني- يمني”.

 

إيميل: m.sh.jayousi@hotmail.co.uk

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى