بصدد حذف الفيس بوك مقالة أبوغزاله حول الخراب البيئي بعنوان.. “لا يمكن إدارة ما لا يمكن قياسه”

لا جدوى من أي جهد جماعي عالمي لإصلاح البيئة، ما لم تشارك به الصين وأمريكا بجد..
واشنطن كرست برفضها مشروعا أمميا للقياس؛ تجاهل التحذيرات.. ونهج الإفلات من العقاب خراب البيئة المتسارع يحتمل مخاطر أشد من الحروب العالمية
بقلم: محمد شريف الجيوسي
تواجه البشرية والعالم والحياة بعامة، مخاطر عدة، لا تقتصر علىى الحروب ومفرزاتها وكوارثها، فهناك الخراب الذي يصيب البيئة بما صنعت أيدي الناس في البر والبحر والجو.. لكن الفارق بين الخرابين، أن الخراب الأول (الحروب) ناجمة عن تناقض المصالح بين الشعوب والأمم والدول؛ غالباً، ينتهي بغالب ومغلوب، بينما الخراب الثاني فينجم عن سباق الدول الأعظم صناعياً وتكنولوجيا، لنهب الثروات والمقدرات وتحقيق تطور صناعي هائل، في معزل عن تداعيات ومنعكسات هذا التطور؛ على البيئة، لكن هذا لا يعني أن الخراب ناجم فقط عن التطور بالضرورة، فقد يكون ناجماً عن جمود التطور والركون إلى التجهيل وإهمال مستوجبات حياة مجتمعية رغدة.. والكل في هذا النوع من الخراب خاسر، صنّاعه ومسببوه، ومن ليس لهم علاقة به.
تقول أحدث الدراسات البيئية المجمع على دقتها وصحتها، أنه ما لم تتخذ إجراءات استباقية؛ الآن، تحول دون خراب شامل للبيئة، فإن بلدانا ستغرق قريبًا، وأن كوارث طبيعية غير مسبوقة ستتملك العالم، من موجات حر شديدة وعواصف وأعاصير وشحّ مياه أشد، وانقراض كائنات حية، وتلاشي مقدراتٍ طبيعية وغابات وأنظمة توازن بيئي، وأنواع نباتية وحيوانية.
وتقول أحدث الدراسات البيئية، أنه ستكون لاختلالات التوازن البيئي الطبيعي، تداعيات كارثية، ستجعل من محاولات إصلاحها لاحقاً، أمرا غير ذي بال مهما بذل من مال أو علم، أو أي نوع من القوة المتاحة بأنواعها.
هذه الكوارث وشيكة التحقق، طالما حذر منها المفكر العربي العالمي طلال أبوغزاله، من على فضائية RT الروسية العالمية، وأعاد التذكير بها في الأيام الأخيرة على الفيس، لكن إدارة الأخيرة القاصرة عمدت إلى حظر المقالة المحذّرة من مغبة ما يجري من تخريب عالمي للبيئة، ممارِسة بذلك تجهيلاً وصمتا غير نبيل، وإنحيازا لمن مصالحهم الراهنة تتعارض مع مشاريع إصلاح البيئة، رغم مقدمات واقعٍ باتت تعاني البشرية منه بشكل خطير، غير مكتفية (أي إدارة “مجتمع ” الفيس)، بما تمارس من قمع للحريات، وإنحيازات للقهر والظلم والتمييز والحروب الأمريكية العدوانية ولإسرائيل.
لقد أكد تقرير صدر عن الأمم المتحدة في نيسان 2022، أن الحد الجدي من انبعاثات الكربون الملوثة للغلاف الجوي يجب أن يتم الآن، وإلا فلن يحدث أبدًا، وستجد البشرية نفسها في عالم غير صالح للحياة.. منوهاً بأن “ما لا يمكن قياسه لا يمكن إدارته” بشكل فعال، وهو حال مسألة تغير المناخ منذ البدايات، فبدون رقابة فعالة، فإن التعهدات التي قدمتها الدول بشأن كبح مستوى الإجراءات المضرّة بالمناخ لا تساوي الورق الذي كُتبت عليه، ذلك أن فجوة شاسعة تقع بين الوعود وما تحقق على أرض الواقع، كنتيجة طبيعية لعدم إلتزام الدول والشركات الكبرى؛ الأكثر تلويثاً للبيئة، حيث تلوث صناعاتها البيئة، وتزور شركاتها أرقام انبعاثات الكربون من قبلها، متظاهرة بالامتثال لقواعد الحفاظ على البيئة.
يؤكد أبوغزاله، ضرورة إيجاد طريقة دقيقة مقبولة لدى الجميع، لقياس التلويث الحاصل للبيئة من قبل الدول والشركات الكبرى، وكذلك قياس الجهود الكبيرة المبذولة للحد من التلويث، وحيث لم يتم التوصل بعد إلى طريقة علمية، فإنه لا يمكن محاسبة البلدان والشركات الملوثة للبيئة، حيث لا يمكن إدارة ما لا يمكن قياسه.
مبيناً أن المحاسبة البيئية، تستوجب وجود ممارسات شفافة مناسبة، بحيث تلتزم الشركات بالإبلاغ عن قيمة الأضرار التي تتسبب بها للبيئة، الأمر الذي يسمح بتحسين المساءلة، وبذلك لا يستطيع الملوثون الإفلات من (العقاب)، بالترافق مع تحسين وسائل المحاسبة، بما يحفز الشركات على الإفصاح عن أوضاعهم الحقيقية، كأمر ضروري للإدارة الفعالة لانبعاثات الكربون.
وبين أبوغزاله، أنه بناء لتكليف دولي، قاد عام 1999، فريقاً من هيئات محاسبة عالمية، لصياغة تقرير مفصل بعنوان (المحاسبة وإعداد التقارير المالية للتكاليف والمسؤوليات البيئية) بإشراف جمعية المحاسبين القانونيين العربية (ASCA) التي أنشأها أبوغزاله عام 1984، وقد تم صياغة التقرير بالتشاور مع الأمم المتحدة والإنسجام مع معايير المحاسبة والإبلاغ المالي الدولي (ISAR)، بتوجيه من كوفي عنان؛ الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك.
وحرص أبوغزاله على أن يساعد التقرير (الذي أعد بجهد كبير) مؤسسات وهيئات تنظيمية، بوضع معايير أفضل للمحاسبة البيئية، وتوفير معلومات حول المركز المالي للمؤسسة بطريقة مفيدة للمعنيين باتخاذ القرار، ومساءلة الإدارة عن الموارد المعهود بها إليها.
موضحاً أن الأداء البيئي للشركات المعنية، يؤثر على صحتها المالية ويمكن من استخدام المعلومات المتعلقة بهذا الأداء، في تقييم المخاطر المالية للشركة بشكل أفضل، باعتبار أن إدارتها للمخاطر تهم الجميع: مجلس إدارة ومساهمين ومستثمرين وهيئات تنظيمية مالية، ومالكين بخاصة، جراء إرتباطها بالأضرار البيئية وعمليات التخلص من النفايات والغرامات والعقوبات والمسؤوليات البيئية الأخرى.
مستذكراً أنه بعد إنجاز التقرير، طلب منه كوفي عنان، بحث التقرير لدى لجنة خاصة ضمت سفير الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، وبعد مناقشة التقرير، قال السفير الأمريكي بحضور السفير البريطاني أيضاً، أنه لا يمكن قبول التقرير لأن الكونغرس الأميركي لن يقبل تطبيق إجراءات التقرير؛ على شركات أمريكية، ونتيجة لذلك تم حفظه دون إجراء، وبذلك وضعت واشنطن أول عثرة أمام إمكانية تحقيق إصلاحات بيئية عالمية شاملة، وأصبح ذلك بمثابة (مزيّة) تتمتع بها الدول العظمى في تعطيل قرارات تتصل بالبيئة، مضرة بمصالحها الإقتصادية.
وخلص أبوغزاله إلى خلاصة مفادها، أن العمل الجماعي من قبل جميع دول العالم، بات لا يعني شيئًا، ما لم تتخذ الولايات المتحدة والصين الشعبية، إجراءات حقيقية في مجال كبح انبعاثات الكربون، حيث أصبحت الصين بخاصة، أسوأ ملوث في العالم، فهي مسؤولة عن30٪ من الانبعاثات الكربونية، حيث نصف إمدادات الفحم السنوية تتم في الصين، رغم تعهد الرئيس الصيني شي جين بينغ بتقليل الانبعاثات إلى الصفر.
أما ثاني أكبر ملوث للبيئة الآن، فهو الولايات المتحدة الأمريكية، فهي مسؤولة عن حوالي 15٪ من انبعاثات الكربون في العالم وكلاهما بكين وواشنطن لا تخضعان للمساءلة، رغم إنقضاء سنوات على عقد اجتماعات مؤتمر تغير المناخ.
وكان الرئيس الأمريكي ترامب، قد نفى تكراراً، وجود تغير مناخي، فيما قدّم الرئيس بايدن وعودًا كبيرة بشأن المناخ، لكنه وفى بالقليل منها، وبعامة تجنبت الولايات المتحدة خلال العقود الـ 6 المنصرمة؛ القيام بأي اجراء جوهري في مجال الحد من تغير المناخ، رغم أن علماء المناخ حذروا سنة 1965 بالتزامن مع الرئيس الأمريكي الأسبق ليندون جونسون، من أن أزمة مناخ قادمة، وأن دول العالم تغامر بشكل خطير من خلال إطلاقها انبعاثات هائلة تؤثر على حرارة الأرض وأن هناك حاجة مُلّحة لمعالجة الإنبعاثات..
ولفت أبوغزاله، إلى أن الأطراف المستفيدة من الصادرات الأحفورية والصناعات المولدة للإنبعاثات الكربونية، يقدم أغلبها معلومات مضللة، وتؤدي الاستقطابات السياسية والعسكرية الراهنة إلى إعاقة الحد منها.
ويرى أبوغزاله، أنه ما زال ممكناً خفض الانبعاثات بنسبة 50٪ بحلول عام 2030، والحد من ظاهرة الاحتباس الحراري إلى 5,1 مْ، بحلول عام 2050. ويتطلب هذا خفضًا عميقًا للانبعاثات بخاصة من قبل الصين والولايات المتحدة؛ والعمل بجدية وجهد مشترك على جميع الجبهات، بما في ذلك تغيير أنماط الحياة والعادات، فضلاً عن إتخاذ سياسات صحيحة وتنفيذ بنى تحتية صديقة للبيئة وتسخير التكنولوجيا في خدمتها وإعتماد المساءلة.
كما يستدعي تقليل استخدام الوقود الأحفوري واستخدام أنواع وقود بديلة، وتوسيع نطاق الكهرباء المستدامة، وتحسين كفاءة الطاقة، والإستعانة بالتكنولوجيا في تجميع الكربون وتخزينه بكميات أكبر.
وبصفته رئيس إتحاد التحضر المستدام، أكد أبوغزاله أنه يتوجب على صعيد السلوكيات، تطوير ثقافة العيش المستدام في المنازل والعمل، ووضع معايير لضمان الامتثال، تكرس المحاسبة والمساءلة.
بكلمات أضحت العناية بقضايا البيئة، مسألة غير ترفية، وضرورة ملحة مستعجلة، لا تحتمل تأجيلا، وإلا فإن الحياة ستصبح مستحيلة، وإصلاح ما أفسدته القوى العظمى على مدى عقود غير ممكن، وتحتمل مخاطر أشد من كوارث الحروب العالمية.
__________
إيميل : m.sh.jayousi@hotmail.co.uk