أقلام وآراء

السعودية وإيران.. أخبار سعيدة..!

علاء الدين ابو زينة .. كانت كل ردود الفعل الإقليمية والدولية تقريبًا مرحبة بالانفراج الذي أعلن عنه بين الشقيقة، المملكة العربية السعودية، وجمهورية إيران الإسلامية. وفي الحقيقة، يجب أن يكون هذا التقارب المنتظر والمستحق منذ وقت طويل سببًا في تنهيدة ارتياح لنا نحن في الإقليم، على أمل أن تسير الأمور على خير بين الدولتين الجارتين حتى استعادة حسن الجوار والسلام. فقد شكلت هذه العداوة –أو المنافسة كما يحب البعض أن يسميها- عبئًا على كاهل المنطقة وغيرت معادلاتها وتوازناتها وتحالفاتها. وقد تأثرت الخيارات والقرارات السياسية لكثير من الدول والكيانات التي أُجبرت على اختيار أحد الجانبين، وبذلك قسرًا في معسكر مواجهة بين القوتين النافذتين.
سوف يقول لك الذين عاشوا أوقاتًا ليست بعيدة كثيرًا إن قسمة سني/ شيعي لم تكن مطروحة في التداول على الإطلاق. ويتذكر أبناء جيلي، جيل النصف الثاني من القرن العشرين، أنهم لم يكونوا يعرفون عن الفروقات بين السنة والشيعة، وأن المهتمين شرعوا في توسيع معرفتهم بعد أن أُخرجت هذه الثنائية المتعارضة من الظلال. وكان هذا الخروج كارثة، أو نذيرًا بكارثة على الأقل. فقد ذهبت الكثير من الموارد والطاقات في المنطقة العربية إلى التسلح والتخطيط ورسم السياسات على أساس توقع نشوب صراع كبير مع إيران. وانقسمت المجتمعات العربية التي فيها مواطنون شيعة عموديًا ووصلت الأمور فيها إلى العنف والحروب الأهلية، كما توزعت الولاءات بطريقة غير مسبوقة، بحيث أصبحت تتجه إلى الخارج على حساب الانتماءات الوطنية والقومية وتأجيج الصراعات بالوكالة بين الإخوة والأشقاء في الوطن الواحد.
بطبيعة الحال، كان المستفيد الكبير من القسمة السنية/ الشيعية وتداعياتها على المستويات كافة، هو القوة الساعية إلى الهيمنة في الإقليم، التي لا مصلحة لها في انسجام شركاء الجغرافيا –وحتى العقيدة- على طريقة «فرق تَسد. ولو نُظر بطريقة عملية إلى أصل الخلاف الذي بُنيت عليه القسمة السنية/ الشيعية، لوجد أنه لا يصلح مطلقًا لأن يكون منطلقًا لعداوة مدمرة للجميع بين جناحي العقيدة الإسلامية. وكان العراق، الذي تميز بوضوح التواجد بين الطائفتين بين مواطنيه، مثالًا على كيفية تحييد الفروقات وإبراز المشتركات. كان السنة والشيعة العراقيون يتصاهرون بحيث يكون الأعمام شيعة والأخوال سنة. وكان المعتدلون الكثر من الطائفتين يصلون في مساجد بعضهم البعض ويحفظون حسن الجوار والانتماء، وكان فقط حين أوقظت القسمة بين العراقيين حين سالت الدماء وتصاعدت الأحقاد. وسرعان ما انتشرت القسمة إلى اليمن، ولبنان، والبحرين والسعودية وغيرها من البلدان التي تضم مواطنين من الطائفتين. ودائمًا كانت النتيجة وبالًا على الجميع.
من المؤمل أن تنطفئ بالتدريج الحرائق الطائفية التي ضربت منطقتنا عندما تشرع القوتان المؤثرتان في تهدئة الاشتباك بين المتأثرين بهما. وتفعل الدول العربية السنية خيرًا بنفسها حين تنزع هذا الفتيل المتصل ببرميل بارود. وفي الأحوال المثالية، سيكون تحول علاقات الصراع إلى تعاون مع الجيران الأصيلين في الإقليم شأنًا كله خير إذا كان وراءه صفاء النوايا مقروناً بالبراغماتية.
يمكن البحث كثيرًا في الآليات التي دفعت إلى هذا التقارب المنشود بين الدولتين، والتي لا تنفصل عن التغيرات الكبيرة التي تشهدها التوازنات العالمية وإعادة الاصطفافات. لكن من الملفت بشكل خاص، عندما يتعلق الأمر بالإقليم، ملاحظة رد الفعل الوحيد تقريبًا الذي لم يرحب بالتقارب المذكور: الكيان الصهيوني. ويشير رد الفعل بلا مواربة إلى صاحب مصلحة حقيقي معروف مسبقًا، لمن يريد أن يرى، في استمرار الخلاف والمنافسة.
في رد الفعل، وصف زعيم المعارضة في الكيان، يئير لبيد، إعادة العلاقات بين طهران والرياض، بأنها «فشل ذريع وخطير للسياسة الخارجية للحكومة الإسرائيلية». وأضاف أنه «انهيار للجدار الدفاعي الإقليمي الذي بدأنا ببنائه ضد إيران». ووصف رئيس الوزراء اليميني السابق، نفتالي بينت، الاتفاق بأنه «نصر سياسي لإيران»، و»ضربة قاضية لجهود بناء تحالف إقليمي ضد إيران»، و»فشل ذريع لحكومة نتنياهو». ونقلت وسائل إعلام في الكيان عن مسؤول إسرائيلي قوله إن الاتفاق السعودي الإيراني سيؤثر على إمكانية تطبيع العلاقات بين الرياض وتل أبيب.
ما يقوله هذا هو أن الكيان كان المستفيد الأكبر الذي يأسف الآن للخسارة من الخلاف. كان اللعب على هذه المنافسة هو عربته لتوسيع حيز لنفسه في المنطقة، والانتقال من عدو صريح للعرب إلى حليف محتمل. وعنى ذلك الموقف التضحية النهائية بالشعب الفلسطيني وحقوقه ونضالاته كثمن لـ”حماية” متخيلة يقدمها الكيان للعرب في مواجهة إيران. ولم يكن سرًّا أن الكيان إنما كان يسعى إلى حماية نفسه من تهديدات إيران ووكلائها وليس العرب السنة في مواجهة الشيعة، بالإضافة إلى نقل البنادق والإمكانيات إلى جبهة بعيدة.
الآن، يمكن أن يعيد هذا التقارب -إذا تطور بشكل طبيعي وبلا عبث- الكيان إلى ماهيته بما هو: قوة استعمار خارجية معادية غير أخلاقية ولا قانونية، لا يمكن أن تتحالف بقلب أبيض مع العرب الذين تعرف عواطفهم الشعبية الحقيقية تجاهها، ومن أين جاءت تلك العواطف. وكما توقع المصدر من الكيان، فإن التقارب الجديد ربما يحرر العرب من أي حوافز غير منسجمة قطعاً مع آمال الشعوب، إلى تطبيع الكيان وعقد اتفاقيات هازمة للذات معه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى